شهر رمضان جعل الله -تعالى- لعباده موسماً ذكره بعينه وخصّه عن باقي المواسم في مضاعفة الأجور وزيادة المِنح والمغفرة والعطايا من لدنه، إذْ جعل ذلك في شهر رمضان المبارك، وقدّره شهراً من كلّ سنة، فحين يقترب موعد شهر رمضان المبارك يهيأ المسلمون أنفسهم لاستقباله على أتمّ وجهٍ مستعدّين ليغتنموا من أجوره وبركته بكلّ وُسعهم، وفضّل الله -تعالى- شهر رمضان المبارك في عدّة أمور؛ أوّلها أن أنزل فيه القرآن الكريم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال الله تعالى :(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)،[١] وورد فضل شهر رمضان المبارك في الكثير من الأحاديث النبويّة والآيات القرآنيّة، إذْ قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (ورغِم أنفُ رجُلٍ دخَل عليه شهرُ رمضانَ ثمَّ انسلَخ قبْلَ أنْ يُغفَرَ له)،[٢] ودلالة ذلك أنّ شهرَ رمضانَ شهر المغفرة الجليّة، التي لا يكاد أن يخرج أحد منه دون مغفرةٍ من الله تعالى، ومن أفضاله كذلك أن اختصّه الله -تعالى- بالركن الثالث من أركان الإسلام وهو الصيام، فمن صام شهر رمضان إيماناً بفرضيّته من عند الله -تعالى- واحتساباً لأجره نال الفضائل والثواب وتحقّق الإيمان في قلبه وهُدي إلى تمام التقوى.[٣]
كيفيّة استقبال شهر رمضان يحتاجُ المسلم إلى تهيِئة نفسيّة وبدنيّة حتى يدخل شهر رمضان وهو في أعلى درجات الجاهزيّة للصيام والقيام، مُقبلاً عليه مخطّطاً لكيفيّة قضاء أيّامه ولياليه، فإذا كان منظّم لأموره ووضع لذلك النيّات المناسبة فإنّه سيحظى بوافر الأجر والكسب، ومن الأعمال التي تُعين المسلم على التنعّم بفضائل شهر رمضان المبارك:[٤][٥] التوجّه لله -تعالى- بالدّعاء ببلوغ شهر رمضان المبارك. الفرح بِقرْب بلوغ شهر رمضان وحمد الله -تعالى- على ذلك. احتساب مجموعة من النّوايا ورسم أهداف ليتمّ إنجازها خلال شهر رمضان؛ ومنها: التوبة الصادقة من الذنوب والمعاصي. ختم القرآن الكريم قراءةً وتدبّراً عدّة مرّات. كسب أكبر قدر ممكن من الحسنات بفعل المزيد من الطّاعات والخيرات. المُعاملة الحسنة مع النّاس والصّبر على أذاهم. جعْلُ شهر رمضان بداية الانطلاق لطاعات وأخلاق حسنة جديدة والثّبات عليها بعد رمضان. قراءة بعض كتب الرّقائق التي ترفع همّة المسلم وتذكّره بالثواب وفضل الصيام والقيام. تخصيص مبلغٍ من المال مُقتَطع كلّ فترة؛ لعمل مشروع خيريّ في المال خلال شهر رمضان؛ مثل: إفطار صائم وغير ذلك من أفعال الخير. إنهاء الصيام الواجب إذا كان على المسلم قضاء أيام أفطرها من شهر رمضان السابق. تعلّم وتدارس أحكام الصّيام. الصّيام في شهر شعبان للتمرين على الصّيام في شهر رمضان.
حال السلف في رمضان تتفاوت همّة النّاس وطباعهم فهُناك من يُقبل في شهر رمضان على القرآن والصّلوات حتى يكادُ ينقطع عن أهله ودنياه، وهناك من يمرّ عليه الشهر وهو في أدنى مراحل أداء الصلوات المفروضة، وقد كان السلف السابق من خيرة الناس في الاجتهاد لنيل البركات والفضائل حتى كانوا قدوةً لمن جاء بعدهم، وفيما يأتي بيان بعض أحوال السلف في استقبال رمضان واغتنام أوقاته:[٦] ذكر الذهبيّ عن اللبان أنّه أدرك رمضان ببغداد فكان يصلّي في الناس صلاة التروايح، حتى إذا انصرف المصلّون بقي في مصلّاه للفجر، ثمّ كان بعد الفجر يجلس بحلقة للعلم مع طلابه، وكان يفعل ذلك طوال الشهر حيث إنّه لا ينام في الليل ولا في النهار. كان طاووس إذا وضع جنبه في فراشه يقفز سريعاً منه ويقول طيّر ذكر النار النومَ من عيني، فكان يصلّي حتى يُصبح. كان بعض السلف يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، وإذا قرأها في اثنتي عشرة ركعة وجد الناس أنّه قد خفّف عنهم. كان ابن عمر -رضي الله عنه- يصلّي القيام في بيته، فإذا انصرف الناس من مسجد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أتاه فصلّى فيه حتى يُصبح. كان السلف -رضي الله عنهم- إذا دخل رمضان انكبّوا على المصاحف يقرؤونها بلا انقطاع.[٣] حدثت العديد من الغزوات في شهر رمضان المبارك؛ منها: غزوة بدر، وفتح مكّة، ومعركة حطّين، وقتال التّتار.[٣] فضائل شهر رمضان اختصّ الله -تعالى- شهر رمضان بعدّة فضائل على غيره من الأشهر، منها:[٧] أنزل الله -تعالى- في شهر رمضان القرآن الكريم على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم. أذِن الله -تعالى- أن تُفتح في رمضان أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران وتُصفّد الشياطين، وقيل إنّ ذلك الكلام يحتمل أن يُؤخذ على ظاهره؛ أي أن تزداد بركة الأعمال الصّالحة وتقلّ الشّهوات والمحرّمات، وقيل يُحتمل أن يكون حقيقةً؛ حيث تُفتح فعلاً أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران؛ دلالةً على دخول شهر عظيم ذو فضائل خاصّة. جعل الله -تعالى- العبادة في ليلة من ليالي شهر رمضان خير من عبادة ألف شهر؛ وهي ليلة القدر، حيث قال الله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).[٨] خصّ الله -تعالى- شهر رمضان باستجابة الدّعوات في أكثر من وقت خلال اليوم والليلة؛ حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم؛ الصَّائمُ حتَّى يُفطِرَ).[٩] جعل الله -تعالى- عتقاء في كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان؛ ودليل ذلك قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ للَّهِ عُتِقاءَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ).[١٠] جعل الله -تعالى- أجر العمرة في شهر رمضان كأجر حِجّة.